البيان الختامي وتوصيات المؤتمر السنوي العلمي السادس لكلية القانون جامعة سرت

البيان الختامي وتوصيات المؤتمر السنوي العلمي السادس لكلية القانون جامعة سرت، المنعقد 29 والموسوم "بأثر الفساد في بناء مؤسسات الدولة الليبية" /7/ بتاريخ 2024 تحت شعار)نحو معالجة قانونية تدعم بناء مؤسسات الدولة(.
بحمد الله وتوفيقه ، انتهت فعاليات هذا المؤتمر، الذي خُصص لموضوع بالغ الأهمية على الصعيد الوطني والدولي ، وشغل- ومازال يشغل- بال الكثير من المهتمين، والمعنيين، والذي لم تسلم من تداعياته الدول والمؤسسات، ولا الأفراد والجماعات، وهو ظاهرة الفساد، التي أثّرت ومازالت تؤثر، في بناء مؤسسات الدول، التي طالما بات الفساد ينخر عظامها، ويُرهق بِنائها، ويَشلُّ أركانها، ويعيق تقدمها، وهو أمر لم يعد خافيا على أحد، وسواء كانت تلك المؤسسات تشريعية، أم تنفيذية، أم قضائية، أم رقابية، وسواء كان الفساد سياسيّا، أم إداريّا، أم ماليّا، أم اقتصاديا، أم غيره من أنواع الفساد الأخرى.
وانطلاقّا من دور الجامعات في خدمة البيئة المحيطة والمجتمع ككل، أخذت كلية القانون بجامعة سرت على عاتقها)وهو دأبها للعام السادس في طرح قضايا تهم المجتمع( مهمة البحث، والإعداد والتنظيم لهذا المؤتمر بالتعاون مع الجامعة، حيث استقبلت اللجنة العلمية ما يصل إلى ثلاثةٍ وأربعين بحثا، وبعد التقييم والتقويم من قبل اللجنة العلمية، وصل عدد البحوث المقبولة إلى خمسٍة وثلاثين بحثا، وذلك كله من أجل تقديم أفضلها، للمساهمة في إيجاد حلول عملية وعلمية، من شأنها القضاء، أو الحد من هذه الظاهرة، وهو ما ترجمته فعلا، المشاركات الواسعة من داخل ليبيا وخارجها، ومن جامعات ومؤسسات متنوعة، تمثلت في مشاركة ست جامعات من خارج ليبيا، منها ثلاث جامعات من الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وثلاث جامعات من جمهورية مصر العربية، بينما كان عدد المشاركات المحلية أكثر من ثماني عشرة جامعة ومؤسسة عامة، تمثلت في: جامعة نالوت، جامعة صبراتة، جامعة الزنتان، جامعة طرابلس، الأكاديمية الليبية للدراسات العليا، جامعة المرقب، جامعة الزيتونة، الجامعة الأسمرية، جامعة سرت، جامعة خليج السدرة، جامعة أجدابيا، جامعة بنغازي، جامعة عمر المختار، جامعة طبرق، المعهد العالي للعلوم والتقنية أمساعد، ديوان المحاسبة، ووزارة الداخلية.
وبصفتي أحد المشاركين، اسمحوا لي أن اغتنم هذه الفرصة لأعبّر أصالة عن نفسي، ونيابة عن المشاركين والمشاركات، عن جزيل الشكر والتقدير لكل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر، بداية من الجامعة رئاسة وأعضاء، ورئيس المؤتمر، ولجانه العلمية والتحضيرية، على حسن التنظيم، وحسن الاستقبال، وكرم الضيافة)وهو ليس بغريب عن هذا البلد الطيب أهله(، والشكر موصول لكل المشاركين والمشاركات سواء من حضر، أو شارك عن بُعد، الذين خصصوا أوقات على الرغم من انشغالهم، وتحملوا عناء ومشاق سفرهم، ليشكّلوا فسيفساء، متنوعة ثقافيًا، وأكاديميًا، وبحثيًا، كان لبحوثهم وأوراقهم، ومناقشاتهم ومداخلاتهم عظيم الأثر في إثراء جلسات هذا المؤتمر، الذي انبثقت عنه العديد من التوصيات والمقترحات، تم إيجازها، وتلخيصها في النُقاطِ التالية، علمًا بأنها ستكون كاملة في المجلد المعني بنشر بحوث المؤتمر.
أولا: التوصيات المتعلقة بالسلطة التشريعية.
-1 إنشاء محاكم إدارية مستقلة عن المحاكم المدنية، تقوم )إضافة بالاختصاصات الممنوحة لها بموجب قانون القضاء الإداري( بمراجعة مشروعات القوانين ولوائحها التنفيذية. مع ضرورة إرفاق المذكرة الإيضاحية لأي قانون يصدر، لكي يتسنى معرفة الغاية من سنه.
- -2 ضرورة تعديل قانون النشاط التجاري رقم 23 لسنة 2010 ليتضمن تنظيم الاستحواذ تنظيما شاملا، وحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وآليات تطبيق الحوكمة للشركات.
-3 سن قانون للحوكمة الإلكترونية، وإعادة النظر في صياغة بعض النصوص القانونية، لإزالة التعارض والتداخل في الاختصاصات، ولتكون أكثر انسجاما مع التغييرات السياسية والاقتصادية، والتشريعية، وتواكب التطور التكنولوجي الحاصل في مجال مكافحة الفساد، واعتماد الشفافية والنزاهة في العمل.
-4 تفعيل الرقابة المتبادلة بين السلطات الثلاث، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات، والإسراع في إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، لإنهاء حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي، وإنشاء محكمة دستورية عليا بمقتضى الدستور الدائم للبلاد.
5 - مراعاة تحقيق التوازن المناسب بين الحصانات والامتيازات المقررة للموظفين العموميين، وبين مقتضيات التحقيق والملاحقة القضائية, وتعزيز حماية حقوق الإنسان، وإقرار قواعد تحمي شهود
جرائم الفساد والضحايا، والمبلغين والخبراء، وحرية تداول المعلومات، على أن يكون الفصل في طلبات رفع تلك الحصانات من قبل القضاء.
-6 إقرار المسئولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة، وإقرار عقوبات تكميلية تتناسب مع جسامة جرائم الفساد, كحظر تولي منصب عام في أي منشأة مملوكة كلياً أو جزئياً للدولة,دون إخلال بالمسئولية التأديبية, وتجريم كل أنواع الفساد في القطاعين العام والخاص.
-7 ينبغي على المشرع الليبي التوقف عن تمديد فترة التعامل بالفوائد الربوية بين الأشخاص الاعتبارية، وإصدار قانون خاص بالتّمويل الإسلاميّ.
ثانيا: التوصيات المتعلقة بالسلطة القضائية.
-1 ينبغي دعم السلطة القضائية، والمحاكم على وجه الخصوص، وتحييدها عن أي تجاذبات، وصراعات سياسية تحدث في البلاد، ووضع أنظمة فعّالة لحماية القضاة.
-2 احترام القانون بما فيه أحكام القضاء، يعد مؤشرّا على دولة القانون، ومن ثم على النائب العام إحالة أعضاء أي جهة للقضاء، عند التأكد من انحراف أي تشريع عادي أو لائحي انحرافا كاملا عن المصلحة العامة، والملاحقة، والمساءلة القانونية والقضائية لكل مسئول ثبت فساده، فلا أحد فوق القانون، إن أردنا بناء دولتنا على أسس سليمة.
-3 ينبغي على محاكمنا تطبيق العقوبات التي أقرتها الشريعة الإسلامية لجرائم الفساد، التي ستساهم بشكل كبير في الحد منه، وبكل أشكاله وصوره )ولكم في القِصاص حياة(.
-4 ينبغي على القضاء سرعة الفصل في القضايا، خاصة المتعلقة بجرائم الفساد، وجرائم السرقة والاعتداء على المال العام، وجعل قضايا الفساد من قبيل دعاوى الحسبة.
ثالثًا: التوصيات المتصلة بالسلطة التنفيذية ومؤسسات وهيئات الدولة.
-1 ضرورة توفير التطبيقات والبرامج المتعلقة بالمعلوماتية، والمنظومة الرقمية وإدخالها في حيز ضيق من الإدارة التقليدية، بتبني استراتيجية وطنية للتحول الرقمي باستخدام التكنولوجيا الذكية، مثل الذكاء الاصطناعي، في تقديم الخدمات للمواطنين، وإنشاء منصة رقمية، مما يسهل الإجراءات الإدارية، والخدمية ويزيد من كفاءتها.
-2 العمل على معالجة جميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها الدولة، من تدني لمستوى الأجور والمرتبات، وتدهور الوضع الاقتصادي، وارتفاع تكاليف المعيشة، وحل مشاكل الفقر والبطالة وتدني مستوي الشفافية.
-3 وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والابتعاد عن تولي المناصب الإدارية بالمحاصصة الجهوية أو القبلية، أو بالمحسوبية، أو بالرشاوى، مع عقد ندوات عملية وعلمية للموظفين للتعريف بالرشوة وأنواعها، وخطورتها على الفرد والدولة.
4- تكثيف المراقبة على القطاعين العام والخاص، ووضع صناديق لتلقي الشكاوى والمقترحات، في كل الجهات العامة والخاصة، والتأهيل والتدريب المستمر، والاختيار الفاعل للكوادر الإداريّة المؤسَّسة على روح العطاء والوطنيّة، لاسيما للوظائف العليا والقيادية.
5- تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، ودور المؤسسات الإعلامية، لما لها من أهمية في كشف الفساد للرأي العام والضغط على الحكومة لمكافحته، وإشاعة ثقافة محاربة الفساد والمفسدين في المجتمع، وتعزيز سيادة القانون، ونشر ثقافة النزاهة والمساءلة في المجتمع.
-6 التنسيق مع مصرف ليبيا المركزي والجهات ذات العلاقة، للعمل على استرداد الأموال الناتجة عن الفساد في الداخل والخارج، والعمل على تأمين المعلومات والبيانات المصرفية من عمليات الاختراق، والاحتيال الإلكتروني، ونشر ثقافة الخدمات المصرفية الالكترونية بين فئات المجتمع، مع مواصلة الإصلاحات الإدارية المصرفية .
-7 الإسراع في توحيد المؤسسات السياسية، والأمنية من خلال الحوار الوطني، والتركيز على القيم والمبادئ الوطنية المشتركة، بدلاً من الانتماءات السياسية المنفصلة.
رابعًا: التوصيات المتعلقة بالمؤسسات التعليمية والدينية.
-1 تكريس قيم الإسلام التي تنبذ الفساد بكل أنواعه، ونشر ثقافة الصلاح والإصلاح، ووضع سياسة عامّة في ترشيد الإدارات وتوجيه السلوك الإداريّ والماليّ إلى ما يخدم المصلحة العامّة.
-2 على الجهات ذات الاختصاص المتمثّلة في وزارتي التّعليم العالي والعامّ نشر ثقافة المعاملات الماليّة الإسلاميّة من خلال إدراج مناهج ومقرّرات دراسيّة في الصّيرفة الإسلاميّة والاقتصاد الإسلاميّ؛ حتّى ينشأ جيل واعٍ ترتقي بهم المؤسّسات الماليّة والمصرفية.
3- إضافة مادة ضمن مقررات كليات القانون تحت مسمى "إجراءات مكافحة الفساد".
-4 ضرورة عقد المزيد من المؤتمرات والندوات العلمية لنشر الوعي بخطورة الفساد بكل أشكاله، وآثاره المدمرة للوطن والمواطن.
5- توجيه الخطاب من كل منبر، سواء أكان وعظي، أو منبر سياسي، أو منبر اقتصادي دون تخصيص؛ للتحذير والتذكير بخطورة الفساد، والاحتكار من ناحية شرعية ومن ناحية اقتصادية؛ لأن ضرره متعلق بجميع طبقات المجتمع.
-6 تنمية الثقافة الإسلامية لدى عموم المواطنين للحث على النزاهة، والتركيز على الرقابة الذاتية بتنمية الوازع الديني لدى الموظف العام، وتعزيز القيم الإيجابية، وتغليب المصلحة العامة
على المصلحة الخاصة.
خامسًا: التوصيات المتعلقة بالأجهزة الرقابية.
1- العمل على تخفيف الصعوبات التي تواجه ديوان المحاسبة، والرقابة الإدارية، وهيئة مكافحة الفساد كتوفير الإمكانات المادية والتقنيات الحديثة، وتعزيز مبدأ النزاهة والشفافية في جميع الإجراءات المالية.
-2 العمل على دعم استقلالية الأجهزة الرقابية المختصة بمكافحة الفساد، واختيار موظفيها وفقاً لشروط موضوعية، وتنظيم دورات تدريبية للرفع من كفاءتهم، وتنمية مهاراتهم .
-3 التأكيد على ضرورة التعاون مع كل الأجهزة الرقابية، وإبعادها عن التأثيرات السياسية، والتنسيق مع الجهات المعنية من أجل مكافحة الفساد بكل أشكاله وأنواعه، لاسيما الانحراف عن تحقيق المصلحة العامة، من أي جهة كانت.
-4 الاهتمام بالتقارير السنوية التي تصدر عن الأجهزة الرقابية كديوان المحاسبة، والرقابة الإدارية، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ووضع الاستراتيجيّات والسياسات لمتابعتها وتنفيذها.
-5 ضرورة إعادة النظر في الأجهزة الرقابية, لتوحيدها في جسم واحد يضم مختلف التخصصات في هيكلته، لتقليل الإنفاق، ولتجنب تداخل الاختصاصات.
سادسًا: وأخيرا، التوصيات المتصلة بالجانب الدولي.
-1 ضرورة تعزيز الجهود الدولية والتعاون الدولي بين الدول والمنظمات الدولية عن طريق الالتزام التام بما جاءت به الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بمكافحة الفساد وإدخال مضمونها في المنظومة القانونية الوطنية لدول العالم، واعتمادها كخارطة عمل دائمة .
-2 ضرورة إنشاء محاكم دولية متخصصة لمحاكمة كبار الفاسدين، وعقد المزيد من المعاهدات والمؤتمرات الدولية لانضمام جميع الدول للاتفاقات المعنية بمكافحة الفساد .
-3 متابعة تنفيذ ليبيا لالتزاماتها الدولية المترتبة على تصديقها، أو انضمامها إلى الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الفساد .
-4 ضرورة توافر إرادة سياسية صادقة وجادة لدى المجتمع الدولي، لوضع منظومة واضحة ومتكاملة، على مختلف الصُعد، لمكافحة ظاهرة الفساد.
-5 تفعيل سبل إجراءات التعاون القضائي العربي والدولي في مجال مكافحة الفساد, وكفالة الحماية القانونية للشهود والخبراء, وتسليم المتهمين والمدانين بارتكاب جرائم الفساد.
6- ضرورة الاستفادة من تجارب الدول التي مرت بتجارب مشابهة، ودراسة معرفة كيف استطاعت هذه الدول إنهاء الفساد واستعادة الثقة المتبادلة بين مؤسساتها، وأطرافها المتنازعة.
7- أن تتبنى الدول استراتيجيات جادة وفعالة للتحول الرقمي، ووضع آليات لاستخدامات الذكاء الاصطناعي المتوافق مع المعايير الدولية، للاستفادة منها في مجال مكافحة الفساد، مع اتخاذ مزيد من الخطوات فيما يتعلق بالإصلاح السياسي.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
29/7/ صدر بمدينة سرت بتاريخ 2024
 
news9

Related Articles